آخر الأخبار
الثلاثاء 28 مارس 2023

في تحسّن ملحوظ للطب على نطاق أحجام صغيرة فيما يُعرف بـ (طب النانو)، قام علماء جامعة أريزونا في الولايات المتحدة بالتعاون مع باحثين من المركز الوطني لعلوم النانو والتقنيات التابع للأكاديمية الصينية للعلوم، بإجراء تجربة ناجحة لروبوتات نانو تمت برمجتها للقضاء على الأورام من خلال إيقاف إمدادات الدم إليها

وقد صرّح “هاو يان” أحد الباحثين في التجربة قائلًا: بأنّهم استطاعوا للمرة الأولى تطوير نظام جيني آلي فعّال ومُصمم بدقة بالغة من أجل علاج واستهداف الأورام، وأضاف قائلًا بأنّ هذه التقنية صالحة للاستخدام في حال أنواع عديدة من الأورام، لا سيما تلك الكتل الصلبة المُوعّاة بشدة من قبل الإمدادات الدموية.

وقد تم هذا النجاح الباهر لهذه التقنيّة الأولى من نوعها على الثدييات المُصابة بسرطان الثدي، الميلانوما (سرطان الجلد)، سرطان المبيض، بالإضافة لسرطان الرئة من خلال تجارب حدثت على الفئران، وتم نشرها على مجلة نيتشر للتقنيات الحيوية.

التقصّي ثم القضاء على الورم

الباحث “يان” هو مختص في مجال تقطيع الحمض النووي، والذي كان في آخر عقدين من الزمن في مجال استطاع أن يُطوّر مِقياس ذرّي قادر على تصنيع بُنى أكثر تعقيدًا من ذي قبل.

الحجر الأساس في بناء هذه التقنية يأتي من الحمض النووي القادر على التضاعف الذاتي في كل الأشكال والمقاسات والأحجام – آلاف المرات على مقياس أصغر من مقياس عرض شعر الإنسان – إضافةً للآمال المُعلّقة على ثورة الحوسبة والإلكترونيات والطب أيضًا.

ومن الجدير بالذكر، أنّ طب النانو هو فرع من الطب العام الذي ظهرَ مؤخرًا بوعود عديدة في مجال تحسين طرق العلاج، لا سيما تلك التي لها علاقة مع صنع جزيئات نانونيّة صغيرة قادرة على تشخيص الأمراض المستعصية التي يقبع في مقدمتها السرطان.

حتى الآن، العقبات التي وقفت في طريق استخدام طب النانو هي عقبات حقيقية بالفعل. ذلك؛ لأنّ العلماء يريدون تصميم روبوت فعّال قادر على البحث والتقصّي عن الأورام، ومن ثم القضاء عليها دون إحداث أي ضرر وأذية على الخلايا المُحيطة السليمة.

وقد استطاع فريق الباحثين التخلّص من هذه المشكلة من خلال استخدام طريقة انتقائيّة في تجويع الورم ومن ثم قتله.

تمَ الشروع بتنفيذ هذا العمل قبل 5 سنوات من الآن، عندما قام الباحثون بقطع الإمدادات الدموية عن الأورام مِن خلال إحداث تجلّط في الدم مُترافقًا مع فعاليّة علاجيّة، وأمان في العمل على الأورام الصلبة مُستخدمين بذلك حوامل نانونيّة مُعتمدة على شريط الحمض النووي.

أمّا بالنسبة لخبرة البروفيسور “هان” في هذا المجال، فيمكن القول أنّها ساهمت بترقية مجال طب النانو إلى حدٍ بعيد، وجعلت منه نظامًا آليًا قابلًا للبرمجة وقادرًا على أداء المهام كاملةً بمفرده.

الإنقاذ عن طريق روبوتات النانو

من أجل القيام بالدراسة، قام العلماء بالاستفادة من إيجابيات نماذج أورام الفئران المدروسة جيّدًا، حيث يتم حقن الخلايا الورميّة للإنسان ضمن فأر وبعدها قاموا بتحريضها على النمو، وبمجرّد تكاثر هذا الورم ونموّه، يتم إطلاق العنان لروبوت النانو من أجل القيام بمهمة التقصّي والإنقاذ.

كل نانو روبوت سيكون مكوّن من قطعة مُسطّحة من شريط الحمض النووي بحجم 90.60 نانو متر، بالإضافة لأنزيم مُخثّر للدم يدعى “الترومبين”، يكون على ارتباط مع السطح.

وظيفة أنزيم “الترومبين” تكمن في قطع التدفق والإمداد الدموي للورم من خلال قيامه بتجليط الدم داخل الأوعية المغذية للكتل، مُسببًا بذلك ما يُشبه “الأزمة القلبية” للورم، ومؤديًا بالنهاية إلى تفتته واضمحلال نسيجه.

وبشكل وسطي يتم اتحاد أربعة جزئيات من “الترومبين” وارتباطها مع قطعة شريط الحمض النووي، لكن فيما بعد تُطوى قطعة الحمض النووي على نفسها، كما تُطوى قطعة من الورق لتصبح على شكل أنبوب أجوف.

ومن ثم يُحقن هذا الروبوت ضمن الفأر، عابرًا مجرى الدم، مُستهدفًا الورم المراد إزالته.

يكمن السر في برمجة روبوتات النانو المُهاجمة فقط للخلايا السرطانية، بوضع حمولة خاصة على السطح تُدعى “DNA Aptamer” قادرةً على استهداف بروتين خاص يُدعى “نيكليولين”، المصنوع من خلايا بطانيّة مُتوضعة على سطح الورم، وغير متواجد على سطوح الخلايا السليمة.

وعلى نفس مبدأ حصان طروادة، يدخل الروبوت إلى الخلايا ويتحرر “الترومبين” ويقوم بدوره بتخثير الدماء وقطع الإمدادات، وتتسم هذه العملية بالسرعة وتجمّع أعداد ضخمة من المواد الفعّالة المُحيطة بالكتلة خلال ساعات قليلة من الحقن.

تصميم آمن وسليم

في البداية وقبل كل شيء أظهرَ الفريق المسؤول عن تطوير روبوتات النانو أنّها آمنة وفعّالة في تقليص حجم الأورام. إذ يقول “يوليانج” باحث في المركز الوطني وعضو في فريق التضامن الدولي: “تم إثبات أنّ روبوتات النانو آمنة ومُتقبلة مناعيًا من خلال تجربتها على الفئران والخنازير، ولم تبدِ أي تغيّرات ملحوظة من ناحية تخثّر الدم وشكل الخلية”.

والأكثر أهمية من ذلك هو أنّ هذه الروبوتات لم تبدِ أي تأثيرات جانبية غير مرغوبة بها – كالجلطة الدماغية – عند تجربتها على الأدمغة.

تعتمد آلية هذا العلاج على قطع التدفق الدموي المغذّي للورم مُحدثةً ضرر فيه خلال 24 ساعة بدون ظهور أيّة تأثيرات جانبية على النسج الأخرى السليمة. أمّا الروبوتات الصغيرة هذه، فبعد مهاجمتها للكتلة تقوم تدريجيًا بالاضمحلال والانحلال.

وبحلول يومين وُجدَ هناك دليل على تخثر كبير في الأوعية الدموية، أمّا بحلول اليوم الثالث فقد لُوحظ تجلّط كامل للأوعية الدموية الورميّة، ويكمن المفتاح في العملية كلها من خلال تحرير “الترومبين” ضمن المكان المناسب داخل الورم.

جُرّبَ هذا العلاج على فئران مُصابين بسرطان الرئة البدائي، والذي يشبه إلى حدٍ كبير ذلك الذي يُصيب البشر، وتم ملاحظة حدوث تقلّص في النسيج الورمي بعد أسبوعين من العلاج.

علم الأشياء الصغيرة يحل المعضلات الكبيرة!

بالنسبة للباحث “يان”، تمثل هذه التجربة نهاية البداية نحو طب النانو القادم في الأفق، وقد صرّح عن ذلك بقوله: “روبوتات النانو الناقلة للترومبين تشكّل تقدمًا كبيرًا في مجال تقنيات النانو المعتمدة على الحمض النووي من أجل علاج السرطان، ففي نموذج سرطان الجلد لدى الفئران لم تؤثر الروبوتات فقط على الورم البدائي، بل قامت بإحباط محاولة تحوّل هذا الورم نحو الخباثة، مما يشكّل أملًا علاجيًا واعدًا في الأيام القادمة”.

وأضاف يان الذي يسعى بجهد مع مجموعة من الشركاء لتطوير هذه التقنيّة: “أعتقد أنّنا أصبحنا أقرب في تطبيق التقنيات الحديثة ضمن الممارسة العملية الطبيّة، فالتعاون العقلاني الذي حصل استطاع أن يُصمم روبوتات حاملة لـِ “عملاء العلاج” الذي سيساعد في هدفنا النهائي في مجال أبحاث السرطان، وهو القضاء على الأورام الصلبة مع ارتباطاتها الوعائية.

إضافةً لذلك يُمكن تطوير هذه الاستراتيجية لتصبح منصةً لاستلام الأدوية لعلاج الأمراض الأخرى عن طريقة استخدام هندسة النانو، بما فيها من مجموعات مهاجمة محمّلة بمواد تحمل الدواء في طريقها للقضاء على سبب المرض”.

منقول: https://www.arageek.com